فصل: تفسير الآية رقم (109):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآيات (106- 107):

{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)}
{لاَ إله إِلاَّ هُوَ} اعتراض أكد به إيجاب اتباع الوحي لا محلّ له من الإعراب. ويجوز أن يكون حالاً من ربك، وهي حال مؤكدة كقوله {وَهُوَ الحق مُصَدّقًا} [البقرة: 91].

.تفسير الآية رقم (108):

{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)}
{وَلاَ تَسُبُّواْ} الآلهة {الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله} وذلك أنهم قالوا عند نزول قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] لتنتهينّ عن سبّ آلهتنا أو لنهجونّ إلهك. وقيل: كان المسلمون يسبون آلهتهم، فنهوا لئلا يكون سبهم سبباً لسبّ الله تعالى.
فإن قلت: سب الآلهة حق وطاعة، فكيف صحّ النهي عنه، وإنما يصحّ النهي عن المعاصي قلت: ربّ طاعة علم أنها تكون مفسدة فتخرج عن أن تكون طاعة، فيجب النهي عنها لأنها معصية، لا لأنها طاعة كالنهي عن المنكر هو من أجلّ الطاعات، فإذا علم أنه يؤدّي إلى زيادة الشرّ انقلب معصية، ووجب النهي عن ذلك النهي. كما يجب النهي عن المنكر.
فإن قلت: فقد روي عن الحسن وابن سيرين: أنهما حضرا جنازة فرأى محمد نساء فرجع، فقال الحسن: لو تركنا الطاعة لأجل المعصية لأسرع ذلك في ديننا.
قلت: ليس هذا ممن نحن بصدده، لأنّ حضور الرجال الجنازة طاعة وليس بسبب لحضور النساء فإنهنّ يحضرنها حضر الرجال أو لم يحضروا، بخلاف سبّ الآلهة. وإنما خيل إلى محمد أنه مثله حتى نبه عليه الحسن. {عَدْوَا} ظلماً وعدواناً. وقرئ: {عُدوّاً} بضم العين وتشديد الواو بمعناه. ويقال: عدا فلان عدواً وعدواً وعدواناً وعداء.
وعن ابن كثير: {عدوّاً}، بفتح العين بمعنى أعداء {بِغَيْرِ عِلْمٍ} على جهالة بالله وبما يجب أن يذكر به {كذلك زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ} مثل ذلك التزيين زينا لكل أمّة من أمم الكفار سوء عملهم. أو خليناهم وشأنهم، ولم نكفهم حتى حسن عندهم سوء عملهم، أو أمهلنا الشيطان حتى زين لهم أو زيناه في زعمهم. وقولهم: إن الله أمرنا بهذا وزينه لنا {فَيُنَبِّئُهُم} فيوبخهم عليه ويعاتبهم ويعاقبهم.

.تفسير الآية رقم (109):

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)}
{لَئِن جآءَتْهُمْ ءايَةٌ} من مقترحاتهم {لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الأيات عِندَ الله} وهو قادر عليها، ولكنه لا ينزلها إلاّ على موجب الحكمة، أو إنما الآيات عند الله لا عندي. فكيف أجيبكم إليها وآتيكم بها {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} وما يدريكم {أَنَّهَآ} أن الآية التي تقترحونها {إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} يعني أنا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بها وأنتم لا تدرون بذلك. وذلك أن المؤمنين كانوا يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية ويتمنون مجيئها. فقال عزّ وجلّ وما يدريكم أنهم لا يؤمنون على معنى أنكم لا تدرون ما سبق علمي به من أنهم لا يؤمنون به ألا ترى إلى قوله {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} وقيل: {أَنَّهَآ} بمعنى {لعلها} من قول العرب: ائت السوق أنك تشتري لحماً. وقال امرؤ القيس:
عُوجَا عَلَى الطَّلَلِ الْمُحِيلِ لأَنَّنَا ** نَبْكِي الدِّيَارَ كَمَا بَكَى ابْنُ خُذَامِ

وتقويها قراءة أبيّ {لعلها إذا جاءت لا يؤمنون}، وقرئ بالكسر على أن الكلام قد تمّ قبله بمعنى: وما يشعركم ما يكون منهم، ثم أخبرهم بعلمه فيهم فقال: أنها إذا جاءت لا يؤمنون البتة. ومنهم من جعل (لا) مزيدة في قراءة الفتح وقرئ: {وما يشعرهم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} أي يحلفون بأنهم يؤمنون عند مجيئها. وما يشعرهم أن تكون قلوبهم حينئذ كما كانت عند نزول القرآن وغيره من الآيات مطبوعاً عليها فلا يؤمنوا بها.

.تفسير الآية رقم (110):

{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}
{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ.... وَنَذَرُهُمْ} عطف على (يؤمنون)، داخل في حكم وما يشعركم، بمعنى: وما يشعركم أنهم لا يؤمنون، وما يشعركم أنّا نقلب أفئدتهم وأبصارهم: أي نطبع على قلوبهم وأبصارهم فلا يفقهون ولا يبصرون الحق كما كانوا عند نزول آياتنا، أو لا يؤمنون بها لكونهم مطبوعاً على قلوبهم، وما يشعركم أنا نذرهم في طغيانهم أي نخليهم وشأنهم لا نكفهم عن الطغيان حتى يعمهوا فيه. وقرئ: {ويقلب ويذرهم} بالياء أي الله عزّ وجلّ.
وقرأ الأعمش: {وتقلب أفئدتهم وأبصارهم} على البناء للمفعول.

.تفسير الآية رقم (111):

{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}
{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الملئكة} كما قالوا {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الملئكة} [الفرقان: 21]، {وَكَلَّمَهُمُ الموتى} كما قالوا: {فَأْتُواْ بآبائنا} [الدخان: 36]، {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْء قُبُلاً} كما قالوا {أَوْ تَأْتِىَ بالله والملائكة قَبِيلاً} [الإسراء: 92] قبلاً كفلاء بصحة ما بشرنا به وأنذرنا، أو جماعات. وقيل: {قُبُلاً} مقابلة. وقرئ: {قبلا} أي عياناً {إلآ أَن يَشَاء الله} مشيئة إكراه واضطرار {ولكن أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} فيقسمون بالله جهد إيمانهم على ما لا يشعرون من حال قلوبهم عند نزول الآيات. أو ولكن أكثر المسلمين يجهلون أن هؤلاء لا يؤمنون إلا أن يضطّرهم فيطمعون في إيمانهم إذا جاءت الآية المقترحة.

.تفسير الآية رقم (112):

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)}
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوّاً} وكما خلينا بينك وبين أعدائك، وكذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء وأعدائهم، لم نمنعهم من العداوة، لما فيه من الامتحان الذي هو سبب ظهور الثبات والصبر، وكثرة الثواب والأجر. وانتصب {شياطين} على البدل من عدوّاً. أو على أنهما مفعولان كقوله {وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء الجن} [الأنعام: 100] {يُوحِى بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ} يوسوس شياطين الجنّ إلى شياطين الإنس. وكذلك بعض الجنّ إلى بعض وبعض الإنس إلى بعض.
وعن مالك ابن دينار: إن شيطان الإنس أشدّ عليّ من شيطان الجنّ، لأني إذا تعوّذت بالله ذهب شيطان الجنّ عني، وشيطان الأنس يجيئني فيجرّني إلى المعاصي عياناً {زُخْرُفَ القول} ما يزينه من القول والوسوسة والإغراء على المعاصي ويموّهه {غُرُوراً} خدعاً وأخذاً على غرّة {وَلَوْ شَآء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} ما فعلوا ذلك، أي ما عادوك، أو ما أوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول بأن يكفهم ولا يخليهم وشأنهم.

.تفسير الآية رقم (113):

{وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)}
{ولتصغى} جوابه محذوف تقديره: وليكون ذلك جعلنا لكل نبيّ عدوّاً، على أن اللام لام الصيرورة وتحقيقها ما ذكر. والضمير في {إِلَيْهِ} يرجع إلى ما رجع إليه الضمير في فعلوه، أي ولتميل إلى ما ذكر من عداوة الأنبياء ووسوسة الشياطين {أَفْئِدَةُ} الكفار {وَلِيَرْضَوْهُ} لأنفسهم {وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} من الأثام.

.تفسير الآية رقم (114):

{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114)}
{أَفَغَيْرَ الله أَبْتَغِى حَكَماً} على إرادة القول، أي قل يا محمد: أفغير الله أطلب حاكماً يحكم بيني وبينكم، ويفصل المحق منا من المبطل {وهُوَ الذى أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الكتاب} المعجز {مُفَصَّلاً} مبيناً فيه الفصل بين الحق والباطل، والشهادة لي بالصدق وعليكم بالافتراء. ثم عضد الدلالة على أنّ القرآن حق بعلم أهل الكتاب أنه حق لتصديقه ما عندهم وموافقته له {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} من باب التهييج والإلهاب، كقوله تعالى: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} [الأنعام: 14] أو {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} في أنّ أهل الكتاب يعلمون أنه منزل بالحق، ولا يريبك جحود أكثرهم وكفرهم به. ويجوز أن يكون {فَلاَ تَكُونَنَّ} خطاباً لكل أحد، على معنى أنه إذا تعاضدت الأدلة على صحته وصدقه، فما ينبغي أن يمتري فيه أحد. وقيل: الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته.

.تفسير الآية رقم (115):

{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)}
{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} أي تمّ كل ما أخبر به، وأمر ونهى، ووعد وأوعد {صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلَ لكلماته} لا أحد يبدّل شيئاً من ذلك مما هو أصدق وأعدل. وصدقاً وعدلاً. نصب على الحال. وقرئ: {كلمة ربك}، أي ما تكلم به. وقيل: هي القرآن.

.تفسير الآية رقم (116):

{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)}
{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرض} أي من الناس أضلوك، لأن الأكثر في غالب الأمر يتبعون هواهم، ثم قال: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} وهو ظنهم أنّ آباءهم كانوا على الحق فهم يقلدونهم {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} يقدّرون أنهم على شيء. أو يكذبون في أنّ الله حرّم كذا وأحلّ كذا.

.تفسير الآيات (117- 119):

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)}
وقرئ: {من يضل} بضم الياء أي يضله الله {فَكُلُواْ} مسبب عن إنكار اتباع المضلين، الذي يحلون الحرام ويحرّمون الحلال. وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين: إنكم تزعمون أنكم تعبدون الله، فما قتل الله أحقّ أن تأكلوا مما قتلتم أنتم، فقيل للمسلمين: إن كنتم متحققين بالإيمان فكلوا {مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ} خاصة دون ما ذكر عليه اسم غيره من آلهتهم أو مات حتف أنفه، وما ذكر اسم الله عليه هو المذكى ببسم الله {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ} وأي غرض لكم في أن لا تأكلوا {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم} وقد بين لكم ما حرّم عليكم مما لم يحرّم وهو قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة} [المائدة: 3] وقرئ: {فصل لكم ما حرّم عليكم} على تسمية الفاعل، وهو الله عزّ وجلّ {إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ} مما حرّم عليكم فإنه حلال لكم في حال الضرورة {وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ} قرئ بفتح الياء وضمها، أي يضلون فيحرّمون ويحللون {بِأَهْوَآئِهِم} وشهواتهم من غير تعلق بشريعة.

.تفسير الآية رقم (120):

{وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)}
{ظاهر الإثم وَبَاطِنَهُ} ما أعلنتم منه وما أسررتم. وقيل: ما عملتم وما نويتم. وقيل: ظاهره الزنا في الحوانيت، وباطنه الصديقة في السرّ.

.تفسير الآية رقم (121):

{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}
{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} الضمير راجع إلى مصدر الفعل الذي دخل عليه حرف النهي، يعني وإنّ الأكل منه لفسق. أو إلى الموصول على: وإنّ أكله لفسق، أو جعل ما لم يذكر اسم الله عليه في نفسه فسقاً.
فإن قلت: قد ذهب جماعة من المجتهدين إلى جواز أكل ما لم يذكر اسم الله عليه بنسيان أو عمد.
قلت: قد تأوله هؤلاء بالميتة وبما ذكر غير اسم الله عليه: كقوله: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} [الأنعام: 145] {لَيُوحُونَ} ليسوسون {إلى أَوْلِيَائِهِمْ} من المشركين {ليجادلوكم} بقولهم: ولا تأكلوا مما قتله الله. وبهذا يرجع تأويل من تأوله بالميتة {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} لأنّ من اتبع غير الله تعالى في دينه فقد أشرك به. ومن حق ذي البصيرة في دينه أن لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه كيفما كان؛ لما يرى في الآية من التشديد العظيم، وإن كان أبو حنيفة رحمة الله مرخصاً في النسيان دون العمد، ومالك والشافعي رحمهما الله فيهما.